على غرار الشجار الذي وقع في الأيام الأخيرة في مدينة القدس بين عائلتين, الأولى من سلوان والثانية من جبل المكبر, والذي راح ضحيته الشاب يحيى سلايمة وتم حرق وتخريب بعض المحال التجارية وإصابات عديدة إثر إطلاق النار, وبعد أن تناول الإعلام هذه "الطوشة" كمادة إعلامية ساخنة أخرجت لتوها من الفرن, وبعد أن تم استطلاع الآراء حول هذا الحدث المؤسف, ما جلطني إلا هالجملة: "هذه عملية صهيونية مدبرة", الله أكبر, عنجد زودوتها يا جماعة!!
أنا لا أنكر أي وجه من وجوه الاحتلال والتي لم يدمر بها عقول الكثيرين فحسب بل البنى التحتية لتلك العقول, نعم أعترف بوجود سياسة القمع وكم الأفواه, والتضييق الاقتصادي والتهميش الحضاري والفاشية المطلقة بحق شعبنا, ربما لا أعيشها جميعاً بشكل شخصي ولكنني أعيها جيداً. وأفهم سياسة فرق تسد وسياسة الحرمان من أساسيات الحياة وتضييق سبل المعيشة لكي ننشغل عن الأمور التي تتبع وتأتي بالدرجة التي تلي, مثل الوعي الوطني والقومي والفكري وما إلى ذلك. وأعلم جيداً وعلى وجه الخصوص أن مدينة القدس والمقدسيين يعانون من تلك الأمور بالدرجة الأولى, وألتمس الأعذار قبل اللوم, للعديد من السلوكيات ومناهج الحياة التي تدل على السطحية والجهل في بعض الأحيان وعلى الاستهتار وعدم تحمل المسؤولية أحياناً أخرى.
إلا أنه تنتابني لحظات أقول بها لا عذر لكم, وأميل كثيراً لهذا الاتجاه فأقول أن المحنة التي تعيشها مدينة القدس وأهل القدس, ليس بالمحنة الأولى في تاريخ الأمة. فالمسلمون بعد الفتح والنصر في الأندلس ذاقوا أشد أنواع التعذيب من قبل محاكم التفتيش, ومن قبل ذاقها أولاً رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ومن كانوا معه وما وهنوا وما استكانوا. مدينة القدس نفسها شهدت معارك دامية على أرجائها الأربع وحملات صليبية وحضارات وشعوب عدة تلاحمت على ظهرها وبقيت هي القدس. صمدت رغم أنهم بنوا فيها المدينة فوق الأخرى وبقيت بيت المقدس. فما بالنا أصابنا كل هذا الضعف, ما بالنا اعترانا كل هذا الوهن؟؟؟
ذكرت أعلاه حدث واحد تزامن أن قيلت فيه تلك الجملة التي تغضبني ولكن لم تكن هذه المرة هي الأولى التي أسمع بها هذه العيارة وهذا التصريح. فأسأل نفسي وإياكم هل من الحكمة أن نلقي كل اللوم على المحتل وهل هذا هو الصحيح أصلاً؟؟ أليس لنا دور فيما يحصل لنا؟ ألسنا شركاء في تلك المأساة الاجتماعية االحضارية والثقافية التي وصلنا إليها؟
بل نحن الوكلاء والموزعون-بلغة التجارة- ونحن المساهم الأول في ذلك التردي المحبط القاتم الذي وصلنا إليه! لأنه على ما أعتقد قد خلق لنا الله عقولاً نعقل بها ونفكر بها ونتدبر أمورنا من خلالها, والأهم أن الله قد من علينا بنعمة الاسلام, وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فاذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله", وهذا أحد وجوه المأساة وأهمها وقد فسر نفسه ولا يحتاج إلى شرح مني. وبتركه بدأت المصيبة, وأما العقل والفكر والوعي والمنطق البشري الفطري فجميعها أشياء مغيبة -وليس غائبة- في معظم الأحيان. فكفانا هروباً من المسؤولية. شجار مثل الذي حصل في الأيام الأخيرة, وعلى سبب تافه, لا ينتظر أن يرحل عنا المحتل لكي لا يحدث, انما ينتظر أن تحرر نفسك من احتلال العشوائية والاسترخاء المفرط والاستهزاء تجاه قيم الانسانية والمجتمع وقيم دينك الاسلام, أولاً وآخراً.
هذا الشجار أحد الصور لذلك التردي الذي وصلنا إليه ولن أخوض هنا في الحديث عن صور عديدة أخرى كأوكار المخدرات والانحلال الخلقي والتفكك الأسري والجريمة بدم بارد. أعرف أن جميعها أموراً هيئها الاحتلال بين أيدينا , ولكن الله لم يلق بنا في خضم هذا الابتلاء دون ان يعطينا وسائل لمكافحته, وإلا عندها لا لوم ولا حساب علينا ونقف في صفوف المجانين الذين لا يؤاخذون على اعمال ارتكبوها.
أنا لا اقف هنا وقفة اللائمة, بل أحمل نفسي مسؤولية أيضاً وأولها مسؤوليتي بأن أقول هذا الكلام. وأسأل الله أن ينير عقولنا ويحررنا من ضعف أنفسنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق