48/ 67
عرب الشمال وعرب القدس وعرب المليون اسم
لم تكن هذه الأرقام تذكرني سوى بالنكبة والنكسة ولكنني منذ بدأت دراستي في القدس, بدأت أكتشف أن لها مدلولات أخرى لا تقل نكبة ولا نكسة عن تلك الأولى.
ساتطرق هنا الى استعمال هذه التعاريف التي لشد ما تسوئني, بين فلسطينيو الداخل والفلسطينيون سكان القدس. كما قلت آنفاً لم أعرف أن هذه الأرقام باتت أسماءاً لأجزاء من ذلك الشعب الذي قسم مثل كعكة لا تدري من هو آكلها( لكثرة الآكلين طبعاَ).
كلنا نعرف أنها كانت سياسة فرق تسد والمصيبة هي أننا القائمين على انجاح هذه السياسة. انا لا اريد القول هنا أن المصيبة موجودة في مدينة القدس فقط, ولكنني شخصياَ عرفتها هنا, فمنذ بدأت باالانخراط في جو القدس والاحتكاك ببعض أهلها رأيتني أسمعهم في كل مناسبة يتوجهون الي باسم الرقم "48". ولشد ما يغيظني هذا الأمر, ليس هي التسمية فحسب وانما القصد الخفي المتستر والغير متستر أحيانا, وراء هذا التصنيف.
هنا تكمن المشكلة ينصبون لنا الكمين ونحن نبدأ بالقاء بعضنا البعض فيه, وهم ينظرون الينا بسخرية الذي حقق مأربه دون أي كد أو عناء.
حقاً ان الحال ليرثى لها, انا لا أود التحدث بسلبية وأكره أن نبقى سلبيين نعد العيوب واالمشاكل والنواقص فينا, الا انني ارى واقع اليم وأعيشه وامتعض منه. لا أقصد هنا طرح الموضوع والبت فيه فحسب انما البحث عن وسائل تدفعنا الى التغيير والخروج من هذه المستنقعات الموحلة التي نصبت لنا. هذا باعتقادي أن الكثير منكم يرى مثل ما أرى ويشعر مثلما أشعر.
عند ذهابي الى البلدة القديمة, بمجرد أن أفصح عن هويتي وأعرف أنني من شمالي البلاد إذاً : "انت عرب الشمال, عرب 48, عرب اسرائيل", فيحتقن وجهي بالدماء وأثور... "يا جماعة احنا كلنا عرب... عرب فلسطين". نعم عرب فلسطين ما بكم؟ انا لا أكذب على نفسي عندما أقول هذا التعريف, حتى لو كذب التاريخ نفسه علي وعرفني بغير ذلك, أنا عربية فلسطينية. ولن أتطرق هنا الى باقي التعقيدات ومركبات هويتي الأخرى لانه ليس موضوعي الآن.
في العام الماضي شاركن صديقات لي في مجموعة حوار تسمى "67/48" أو شيء من هذا القبيل المهم أن هذه الأرقام الساطعة تحلق في المركز, لماذا؟؟ لماذا هذا الاسم؟ انا لست ضد الحوار بالعكس, ولكن الاسم برأيي يبرز الفرق بيننا ويعمل على تجذيره أكثر من أن يلغيه, بعكس ما هو مفروض كنتيجة لهذه الحوارات.
أود مرة اخرى تأكيد هذه النقطة, أن الخطر لا يكمن في الأرقام نفسها انما بالمدلولات التي تختبئ وراءها, ولا ألوم مجموعة معينة فاللوم يقع على كل من يستعمل هذه التعاريف. ابن مدينة القدس عندما يقول فلان من عرب ال 48, فهو يعني بها االكثير, هي ليست مجرد تسمية, بالغالب تحمل وراءها اتهامات تطعن بالانتماء والوطنية وتلمح بالتطبع وما الى ذلك. بالمقابل أيضاً نرى عرب الداخل _وهذه أقل تسمية تغيظني_ ينظرون الى المقدسيين نظرة الازدراء كأنهم هم أعلى مكانة وأكثر رقي وحضارة منهم. ولتلخيص هذه النقطة وتوضيحها أكثر أقول أنه نتج لدينا صراع آخر داخلي لا أعرف مدى وضوحه للعين ومدى ادراكنا له ولكنه موجود. لقد نجحت السياسة الاسرائيلية في خلق هذا الصراع العربي-عربي, وبالاصح الفلسطيني فلسطيني, وقد قامت بذلك بخطوات مدروسة, بحيث غرست بيننا الفروقات وهذا طبعا حصيلة سنوات, الا أن الأمر قد نجح لأننا كنا أرضاً خصبة لالتقاط هذه السياسة وتنميتها عن دون وعي.
وهنا ذكرت كلمة المفتاح... الوعي!! فعدم الوعي لدينا جعلنا نتاجر دون كلل أول ملل بتلك السياسة اللعينة.
ساخرج من دائرة الرموز وأعطي أمثلة واضحة عن تلك السياسة من خلال مدينة القدس لأنها المثال الحي الذي أعيشه. فاهل مدينة القدس,( لاكون موضوعية فانا لا أجزم بأن هذه السياسة انطلت على الجميع), معظم المقدسيين ينظرون الى عرب شمالي البلاد بغضب, لانهم حسب رأيهم لم يتركوا لهم فرص للعمل, ونرى فعلا أن معظم المناصب في الدوائر الحكومية, مثل وزارة المعارف و ادارة المدارس والشؤون الاجتماعية ومكاتب المحاماه والمحاسبة, يشغلها عرب من شمالي البلاد وهذا ليس صدفة وليس لان القدس تخلو من هؤلاء الاشخاص الملائمين لتلك المناصب, ولكن هذه الدولة "الكريمة", منعت عنهم تلك الفرص, ففي الغالب لا تعترف بشهادات الجامعات الفلسطينية وهنا تقل فرص العمل لدى سكان القدس بشكل ملحوظ, فينتج أن توجه اصابع الاتهام الى عرب الداخل, والله يعلم كم مرة حتى الآن سمعت هذا الاتهام من اشخاص مقدسيين, بأننا استولينا على كل الوظائف ولم نبق لهم شيئاً.وهذه النقطة خلقت تصادم بل وكراهية أيضاً. كما أن هذا الأمر قد ولد ضعفاً داخل المجتمع المقدسي وجعلهم ينظرون الى أنفسهم بصورة سلبية وذلك بسبب حواجز اللغة وبعدهم عن المجتمع الاسرائيلي الذي يبدو بالنسبة لهم مثل شبح.
كما أن هذا البعد أورد بظنهم أن كل من يتعامل معهم فهو متطبع, متأسرل, وربما "خائن", مع أن الأمر ليس كذلك وان كان قد ينطبق على بعض الاشخاص الا انه لا يجدر بنا أن نظلم الكل بهذا الاتهام الخطير.
بالمقابل اندماج عرب الداخل مع المجتمع الاسرائيلي ومؤساساته ودراستهم في الجامعات والمعاهد الاسرائيلية (مع أنه ليس شرفاً), لكنه خلق لديهم حالة من الاستعلاء والتكبر وقد نسي المعظم أصله ولبس تلك الكذبة التي أقنعه بها التاريخ المزيف بأنه "مواطن في دولة اسرائيل" وصدق كذبة "دولة كل مواطينها" وبدأ ينظر الى المقدسي والنابلسي والخليلي كمن هو أدنى منه فترى أحدهم يقول اذا أراد يسخر من آخر: "والله انك زي الضفاوي"!! هذه حقيقة, ما زالت حتى اليوم تستعمل تعابير مثل تلك, ولن أذهب لبعيد! في كثير من الأحيان وعن دون وعي, كنت أنا نفسي استعمل هذا التعبير وأحمل مثل هذا التناقض وأعترف. عن دون وعي! إذا أعود وأكرر الوعي, كل ما نحتاجه هو الوعي صحيح أننا نعيش تناقضات لا يستهان بها سواء على صعيد الهوية, أو الانتماء,أو حتىعلى صعيد عروبتنا التي أصابتها تشوهات كثيرة. إلا أن الوعي الحقيقي الواضح بامكانه أن يرتب الأمور في داخلنا أكثر. أنا أعتبر نفسي قد مررت بمرحلة بلورة الوعي من جديد وتم ذلك خلال الجامعة بعد أن محت معالمه مقاعد الدراسة الحكومية التي تسمح لي بأن أدرس قصيدة "خبز وحشيش وقمر" للشاعر نزار قباني وتحرم علي أشعار درويش, وتزيف لي تاريخ عثمان بن عفان, ربنا الله "ليس الا لتحافظ على عدم تشوش في وعيي وعدم التباس الأمور علي".
للتحدث عن الوعي نحتاج لدراسات مطولة ولن تكفي خاطرتي هذه بأن توف الموضوع حقه, الا أن المهم في الأمر هو أن الوعي الذي نحتاجه هو وعي جماعي, أي أننا يجب أن نتفق على صيغة واضحة ومحددة وأسس يبنى عليها وعينا الجماعي, والا فسيبقى الوضع كما هو عليه وسنظل منشغلين ببعضنا البعض, نبحث عن نواقصنا, بدل أن نقدم على ايجاد الحلول. تطرقت هنا لنقطة واحدة وهي الشرخ الحاصل أو البعد الحاصل بين المقدسيين وعرب الداخل وهي ليست الصورة الوحيدة لهذا الشرخ.إلا أنني أرى أن الحل لرأب الصدع هو الوعي, الوعي الصحيح, الوعي الجمعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق